لا تزال السيرة النبوية بحاجة إلى إعادة قراءة، وإعادة فقه لأحداثها من خلال منظور القوة والقيم التي كانت سائدة أثناء وقوع الحدث، ومحاولة ربط دروس السيرة -التي كان يحرص الصحابة على تحفيظ أحداثها لأبنائهم كما يحفظونهم آيات القرآن الكريم- بواقعنا المعاصر من خلال النظر إلى جوهر الأحداث، واستنباط فقهها في كيفية التفاعل بين النص والواقع.. ومن هذا المنطلق يأتي حديثنا عن فتح مكة الذي تم في (العاشر من رمضان سنة 8هـ/ 1 من يناير سنة 630م).
ما قبل فتح مكة
كانت البداية الحقيقية لفتح مكة، بعد "غزوة الخندق" في السنة الخامسة من الهجرة، عندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عبارته الشهيرة "الآن نغزوهم ولا يغزوننا".
فبعد هذه الغزوة تفكك التحالف الذي قام بين اليهود ومشركي مكة، وكشفت أحداث الخندق استحالة قيام مثل هذا التحالف مرة أخرى، وبالتالي أَمِن المسلمون المقاتلة على جبهتين في وقت واحد.
وكانت الرؤية النبوية ذات بُعد استراتيجي في تحليل الموقف السياسي والعسكري في الجزيرة العربية بعد الخندق؛ إذ أثبتت الأحداث وتطوراتها أن رقعة الإسلام أخذت تزداد مقابل انحسار القوتين الضاربتين: اليهود والمشركين؛ حيث لم يبق لليهود تجمعات إلا في خيبر الحصينة، ولم يبق للمشركين مكان إلا في مكة وبعض القبائل والتجمعات الصغيرة التي يكفيها بعض السرايا الصغيرة لتأديبها والقضاء على خطرها.
كانت تحركات المسلمين في السنوات الثلاث الفاصلة بين الخندق وفتح مكة مدروسة بعناية فائقة، وتنطلق من رؤى استراتيجية، وتهدف إلى تحقيق أمرين:
أوَّلهما: القضاء النهائي على قوة اليهود في الجزيرة العربية؛ لأن هؤلاء يرفضون الإسلام رغم يقينهم أنه الحق، واستمرار وجودهم وعدم تصفيته نهائيا يعني استمرار الخطر الدائم والمتفاقم على الإسلام بما يدبرونه ويكيدونه؛ ولذلك هدفت ضربات النبي لليهود إلى اقتلاع جذور وجودهم بين العرب، وحدث ذلك مع يهود "بني قينقاع"، ويهود "بني قريظة"، ويهود "بني النضير"، ثم كانت المعركة الفاصلة الحاسمة مع يهود "خيبر" في السنة السابعة من الهجرة، والتي أضاف انتصارها قوة إلى قوة المسلمين حتى قال قائلهم: "ما شبعنا إلا بعد فتح خيبر". وكانت السنة السابعة من الهجرة هي آخر سطر كتبه المسلمون في نهاية اليهود في الجزيرة.
وثاني الأمرين هو: حصار المشركين وسحب البساط تدريجيًّا من تحت أقدامهم بعد تنظيفه من الكفر والشرك، مع إعطاء مساحة لهؤلاء للدخول في الإسلام؛ لأن دواخل أنفسهم -رغم كفرهم- ليست في صدام مع الإسلام، على خلاف اليهود، ولكنهم يحتاجون إلى فترة من الجهد والجهاد لكسر عناد الكفر في نفوسهم؛ لأنهم مواد خام نقية وجيدة يمكن للإسلام صبها في قوالبه الصحيحة. ولذلك كانت الخطة الاستراتيجية النبوية للتعامل معهم هي المزاوجة بين الأساليب الدعوية والسياسية والعسكرية والنفسية لتحطيم الحواجز بينهم وبين الإسلام، مع عدم اللجوء إلى القتال إلا في حالات الضرورة القصوى، وبالقدر الذي يحقق هيبة المسلمين، وليس تحطيم الخصم نهائيًّا؛ لذلك كانت سياسة العفو النبوي عنوانًا بارزًا في تلك السنوات، فكان هذا العفو يأسر القلوب، ويجعل القبائل تدخل في دين الله أفواجًا.
وقد أنتجت هذه السياسة النبوية وضعًا فريدًا في الجزيرة العربية هو أن رقعة الكفر كادت تنحصر في مكة فقط، وقضى على اليهود نهائيًّا، واتسعت رقعة الإسلام. وكانت روعة النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدأ في جذب قادة مكة إلى الإسلام بحكمته، ومما يُروى في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى خالد بن الوليد بطريق غير مباشر رسالة يدعوه فيه إلى الإسلام عن طريق أخيه "الوليد" الذي بعث إليه برسالة جاء فيها: "وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، وقال: (أين خالد؟) فقلت: يأتي به الله. فقال: (مثله يجهل الإسلام؟! ولو جعل نكايته وجدّه مع المسلمين كان خيرًا له، ولقدّمناه على غيره)"؛ ففتحت هذه الكلمات قلب "خالد" الذي حارب الإسلام عشرين سنة، فجاء مسلمًا في بداية السنة الثامنة هو و"عمرو بن العاص" و"عثمان بن طلحة" رضوان الله عليهم.
وكان معنى ذلك أن معسكر الكفر في مكة بدأ يتخلخل من داخله ويفقد قادته الأفذاذ، وصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها".
الفتح بين السبب والفرصة
كان صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة ينظم العلاقة بين المسلمين والمشركين لمدة عشر سنوات، وكان من بنوده المهمة أنه "من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخله". فدخلت قبيلة "خزاعة" في تحالف مع المسلمين، ودخلت قبيلة "بكر" في تحالف مع قريش.
وأدت التطورات والأحداث التي أعقبت صلح الحديبية إلى تغير في ميزان القوى بين المسلمين وقريش لصالح المسلمين. وكما يؤكد خبراء السياسة فإن المعاهدات التي تعقد في ظل اختلال موازين القوى لا بد أن تتغير عندما تتغير هذه الموازين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم -تقديرًا منه لعهده وميثاقه- حافظ على ما ورد في صلح الحديبية، عالمًا ومدركًا أنه لا بد من وقوع حادثة من جانب قريش تعصف بالصلح، وتجعل المسلمين في حل من التزاماته.
وصدقت الرؤية النبوية، حيث أغارت قبيلة بكر على خزاعة، وأمدت قريش حليفتها "بكر" بالمال والسلاح، وقتلوا أكثر من عشرين من خزاعة حليفة المسلمين، واعتدوا عليهم رغم لجوئهم إلى الحرم. وأمام هذا النقض الصريح للعهد ركب "عمرو بن سالم الخزاعي" في أربعين من قومه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه النصرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نُصرت يا عمرو بن سالم"، وأمر المسلمين بالخروج لمناصرة خزاعة.
وقد حققت مساعدة النبي لخزاعة ووعده لها بالنصرة عدة أهداف، منها أنها فرقت بين أن يحترم المسلمون العهود والمواثيق التي وقعوا عليها، وبين أن يعيشوا في غفلة عما يدبره المهادنون لهم؛ لأن وقائع التاريخ تؤكد أن غالبية العهود ما هي إلا فترات لالتقاط الأنفاس في الصراع. كما أنها كشفت عن احترام المسلمين لتحالفاتهم حتى لو كانت مع خزاعة التي لم تكن قد أسلمت بعد، وأثبتت أن المسلمين جادون في تنفيذ بنود تحالفهم حتى لو كلفهم ذلك دخول حرب، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام القبائل العربية للتحالف مع المسلمين وليس مع قريش (الغادرة)، مع خلق رأي عام في الجزيرة العربية يذيب بعض الحواجز بين هذه القبائل والإسلام، ويجعلهم يستمعون إلى القرآن الكريم دون تحيز مسبق، وبالتالي يكسر الحدود الوهمية بينهم وبين الإيمان.
أدركت قريش أنها ارتكبت خطأ استراتيجيًّا كبيرًا بما أقدمت عليه من تقديم المال والسلاح لقبيلة بكر، وحاولت أن تعالج هذا الخطأ؛ حيث انطلق زعيمها وأكبر ساستها "أبو سفيان بن حرب" إلى المدينة المنورة طلبًا في العفو عن هذا الخطأ الفادح، وتجديدًا للهدنة، واستشفع بكبار المسلمين مثل أبي بكر وعمر وعلي وفاطمة، لكن علي بن أبي طالب لخص الموقف بقوله لأبي سفيان: "ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه". فعاد أبو سفيان صفر اليدين إلى قريش، واتُّهِم بأن المسلمين لعبوا به.
السرية والمفاجأة
كان فشل سفارة أبي سفيان لا يعني إلا شيئًا واحدًا وهو الحرب، وجهز المسلمون جيشًا ضخمًا بلغ قوامه عشرة آلاف مقاتل، وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم السرية الشديدة حتى يحقق عنصر المفاجأة لكفار مكة، فكتم وجهة الجيش في التحرك عن الجميع، بما فيهم أبو بكر، حتى إنه دخل على ابنته فسألها عن وجهة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري. وعندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها".
واستكمالاً لعملية التوكل التي تجمع بين دعاء الرب والأخذ بالأسباب، قام النبي صلى الله عليه وسلم بعملية خداع رائعة، اقترنت بعملية تأمين للمعلومات وسرية تحرك الجيش، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية من ثمانية رجال بقيادة "أبي قتادة بن ربعي" إلى مكان يسمى "بطن إضم"، وكان هدفها الحقيقي غير المعلن هو تضليل المشركين، كذلك كانت هناك وحدات صغيرة بقيادة عمر بن الخطاب، قوي الشكيمة، تحقق في الداخلين والخارجين من المدينة المنورة، وتتحفظ على من سلك طريق المدينة- مكة، وبذلك حال دون حصول قريش على أي معلومات عن تجهيزات المسلمين.
وأحبطت محاولة كبيرة لتسريب معلومات إلى قريش حول استعدادات المسلمين، قام بها أحد الصحابة البدريين وهو "حاطب بن أبي بلتعة"؛ وتم القبض على المرأة والرسالة التي تحملها من قبله قبل أن تصل إلى قريش.
وما ارتكبه حاطب خيانة عظمى عقوبتها معلومة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن الضعف الإنساني قد يصيب بعض المسلمين رغم إيمانهم العميق؛ لذلك رفض رغبة عمر في قطع رقبة حاطب، وقال له: "وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، وأيَّد القرآن الكريم موقف النبي صلى الله عليه وسلم في "سورة الممتحنة"، واصفًا حاطبًا بالإيمان رغم ما ارتكبه.
حكمة مع القلوب المغلقة
وافق خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة فصام، وصام المسلمون معه، حتى إذا بلغوا مكانًا يسمى "الكديد" أفطر وأفطر المسلمون معه، ولم يزل مفطرًا باقي الشهر حتى دخل مكة.
واستجاب الله تعالى دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلم تعلم قريش شيئًا عن تحركات المسلمين أو نواياهم، وفي هذه الأثناء خرج العباس بن عبد المطلب بأهله مهاجرًا إلى المدينة، وكان العباس هو الذي يمد المسلمين بالمعلومات الاستخبارية عن نشاطات قريش منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة.
ولم يستطع زعيم قريش أبو سفيان السكون طويلاً على هذا الوضع المقلق الذي خلقه نقض قومه لعهدهم مع المسلمين؛ فخرج يتحسس الأخبار ففوجئ بجيش المسلمين الضخم عند مكان يسمى "ثنية العقاب" قرب مكة، فأسرته قوة من استطلاعات المسلمين، وهمَّ عمر بن الخطاب أن يضرب عنقه، إلا أن العباس أجار أبا سفيان وأركبه خلفه على بغلته، ليدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسون العفو.
رفض النبي صلى الله عليه وسلم استقبال أبي سفيان في بداية الأمر، فقال أبو سفيان: "والله ليأذنن، أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشًا أو جوعًا". فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رقَّ له، ورحم عزيز قومٍ أصابته تقلبات الدهر، وأذن له بالدخول، ولما رآه قال له: "ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم ألا إله إلا الله؟".
فتحت هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم قلب أبي سفيان للإسلام، وقال: "بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا". فقال له العباس: "ويحك! أسلم واشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، قبل أن تُضرب عنقك"، فأسلم أبو سفيان. ويكشف هذا الموقف عن روعة تقاسم الأدوار بين المسلمين لهداية الناس إلى الله تعالى، فإن الأقفال المغلقة للقلوب تحتاج إلى مفاتيح مختلفة تمزج بين الشدة واللين، وبين الصفح والحزم.
أسر زعيم قريش هذا المعروف النبوي؛ واللين في مواقف القوة والتملك أشد وقعًا على النفوس من السيف، والأخلاق النبوية أصابت سويداء قلب هذا الزعيم القرشي بعد حرب ومناهضة للإسلام زادت على عشرين عامًا.
ولم تتوقف الدروس النبوية في حق أبي سفيان عند هذا الحد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أجلسه في مكان يرى فيه جيش المسلمين القوي وهو يمر بقواته الكثيفة أمام عينيه، حتى يزيل جميع رواسب الكفر من نفسه، وحتى يقوم أبو سفيان قائمًا -دون أن يشعر- بحرب نفسية لصالح المسلمين وسط قريش، تخيفهم من قوة المسلمين، وتحول كلماته عن وصف هذا الجيش الكثيف دون أي محاولة قرشية للمقاومة. وتقول روايات السيرة: إن أبا سفيان لما رأى ذلك المشهد انطلق إلى قومه وصرخ فيهم بأعلى صوته: "يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن".
لقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم نفسية هذا الزعيم بأن جعل له من الفخر نصيبًا ريثما يستقر الإيمان في قلبه، فقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".
تجنب الحرب.. تكسبها
تفرق القرشيون ولزم كثير منهم دورهم، أما الباقون فلجئوا إلى المسجد، وبذلك نجحت خطة المسلمين في تحطيم مقاومة قريش، وخلق استعداد عند أهل مكة ليطبق عليهم المسلمون ما يعرف في عصرنا الحالي "حظر التجول"، وهو ما يمهد للسيطرة التامة دون مقاومة على مكة.
لقد سبق دخول النبي صلى الله عليه وسلم لمكة حرب نفسية مركزة ومتعددة الأدوات، ومنها:
1- أنه أمر كل جندي في الجيش أن يوقد نارًا ضخمة، فأوقد من النار عشرة آلاف حول مكة طوال الليل، وهو ما أدخل الرعب في قلوبهم، وشتت أي عزيمة في المقاومة وحرمتهم النوم بالليل؛ خوفًا من المداهمة، فأضعفت استعدادهم لمواجهة المسلمين في الصباح.
2- أنه فتح باب الرحمة والعفو لقريش قبل أن يبدأ في دخولها، مستحضرًا في ذلك عظمة البيت الحرام، فإذا فعل المنتصر ذلك فإن المقاومة تنهار.. تروي كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن "سعد بن عبادة" وهو أحد قادة الجيش قال: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحل الحرمة". فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعزل من قيادة الفيلق ويتولى ابنه "قيس بن سعد".
3- كانت خطة المسلمين أن يدخلوا مكة من جهاتها الأربع في وقت واحد، وهو ما يشتت أي احتمالات لمقاومة مكيَّة، ويهدم معنويات الخصم ويدخل اليأس إلى نفسه من جدوى المقاومة التي تعد انتحارًا لا طائل من ورائه.
التواضع في قمة النصر
نجحت الخطة الاستراتيجية التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول مكة في عدم تعرض جيش المسلمين لمقاومة تذكر، وأسلم غالبية زعاماتهم.. لكن هذا الانتصار العظيم زاد النبي صلى الله عليه وسلم تواضعًا، فدخل مكة وهو يركب ناقته، ويقرأ سورة الفتح، وكان يطأطئ رأسه حتى لتكاد تمس رحله شكرًا لربه تعالى، ولما جاء على باب الكعبة قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".
يقول الشيخ محمد الغزالي في ذلك: "إن هذا الفتح المبين ليذكره صلى الله عليه وسلم بماض طويل الفصول كيف خرج مطاردًا، وكيف يعود اليوم منصورًا مؤيدًا، وأي كرامة عظمى حفَّه الله بها هذا الصباح الميمون، وكلما استشعر هذه النعماء ازداد لله على راحلته خشوعًا وانحناء".
وعقب دخوله صلى الله عليه وسلم مكة أعلن العفو العام بمقولته الشهيرة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ولم يمنع هذا العفو العام من إهداره لدماء بضعة عشر رجلاً أمر بقتلهم حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة، لكونهم "مجرمي حرب"، وكان الوجه الآخر لهذا الأمر أن تبقى هذه الرءوس التي من الممكن أن تكون نواة لنمو مقاومة ضد المسلمين في حالة خوف وحذر على أنفسها تمنعها من التحرك وتفرض عليها التخفي، وكانت روعة الإسلام أن غالبية هؤلاء أسلموا وحسن إسلامهم، وقَبِل منهم النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام.