آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
من الخير لكل مجتمع أن يعيش بقدر ما يستطيع في الدائرة الايجابية التي ينمو من خلالها، ومن ذلك إشاعة مصطلحات هذه الايجابية كالمحبة، والخير، والسماحة، والعفو، والصفح، وحسن الظن، والرحمة، والفضيلة، والكرم، والتواضع، فينشأ منها نشر التحابب بين الناس، والتصافح، ومحو الزلل، وإقالة العثرات، ونشر الفضائل، والتراحم، والعطف، والبذل في وجوه الخير، والاحترام المتبادل، والاخوة الصادقة، وحينئذ تختفي أو تخف المصطلحات السلبية من الحقد والبغضاء، وسوء الظن، وخبث الطوية، والكره، والتناحر، والشقاق والنزاع، واختلاف الكلمة ونحو ذلك.
ولا يشك عاقل بأن هذه الفكرة العظيمة من أهم المهمات التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم، وحث عليها، ورغب فيها، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وكان كذلك عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقال سبحانه: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ويؤكد عليه الصلاة والسلام هذه الفكرة العميقة بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وغير ذلك من النصوص التى لا تحصى كثرة في هذا الباب.
* * *
ولعلي بعد ذلك انطلق من هذه الفكرة العامة إلى بعض الأفكار الخاصة المنبثقة منها، وبا الأخص ماشابتهُ بعض الشوائب بتلبيس مُلبّس، أو جهل جاهل، أو حقد حاقد ليشوش على المسلمين تلك المعاني الايجابية الجميلة التى أراد الله سبحانه وتعالى أن يعيش المسلمين في ظلالها.
* * *
وإن من أهم ما حاول فيه أعداء الاسلام تلبيسه على عموم المسلمين عدة أمور، أخص بالذكر منها مايلي:-
1- أن هذا الدين دين العنف والقسوة والهمجية والارهاب، لأي سبب من الاسباب، وهذا يحتاج إلى مقالات مستقله منفردة نسأل الله أن ييسرها.
2- أن كثيراً من أبناء المسلمين لُبّس عليهم أن المسلمين وأهل هذه البلاد بخاصة يبغضون آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم ولا يحبونهم، وهنا يعجب المرء من مثل هذه المقولات، وكنت أظن أن هذا يُرد بمجرد قراءته إذا أن الامهات أرضعن أبناءهن وبناتهن حب آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم في صلاتهم اليوميه فهو يصلي يقول في صلاته في كل تشهد: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كاما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ويزداد العجب كلما تقدم الطالب والطالبة في التعليم ليقرأ ويتربى على ما سطرته تلك المناهج التعليمية وبا الأخص في مقرر العقيدة من حب النبي صلى الله عليه وسلم، وحب آل بيته، وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.
ولكن كم يأسف المسلم عندما يقرأ أو يسمع تلبيساً حول هذه المعاني والمفاهيم.
ولذا من الخير أن يجلّى هذا المفهوم – وبخاصة في هذا الموقع – الذي حمل على عاتقه تجلية المفاهيم التى يعلوها الغبش أو تحتاج إلى تفصيل - ولعل ذلك يكون في نقاط محددة.
الأولى: أن حب النبي صلى الله عليه وسلم عقيدة نعتقدها، ونسأل الله تعالى أن يبلغنا ثمرة ذلك في الدنيا والآخرة وقد أوضحنا ذلك في أكثر من مناسبة، ولكن ذكرها هنا لمناسبة الموضوع.
الثانية: أن محبة آل البيت - الذين هم على الراجح من أقوال أهل العلم: بنو هاشم، وبنوا المطلب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم - من عقيدة أهل السنة والجماعة، وتضافرت عليها الأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة. وأقوال أئمة الاسلام على مدار التاريخ إلى يومنا الحاضر، ولهم حقوق وواجبات. جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه في حديث طويل: (أذكركم الله في أهل بيتي) قالها ثلاثاً، وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليهم معه كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صلى على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
وعلى هذا المبدأ أعني محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم سار أئمة الإسلام وتضافرت أقوالهم بذلك، وشدتهم على من أبغضهم يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
يا أل بيت رسول الله حبكـم فرض من الله في القرآن أنزلـه
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الذين يبغضون أهل البيت ويعادونهم فقال: (من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).
ويقول الامام الذهبي رحمه الله: (من تعرض للإمام علي –رضى الله عنه– بذم فهو ناصبي يعزر، فإن كفره فهو خارجي مارق).
والنقول في هذا المعنى كثيرة لا تحصر، ولكن حسبنا الاشارة إلى مايدل على المقصود، فهل بعد هذا يمكن لمتقوِّل أن ينسب لمسلم بغضه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. سبحانك ربي هذا بهتان عظيم.
الثالثة: وأشد من ذلك من حاول أن يفرق بين آل البيت و الصحابة – رضوان الله على الجميع- ولا شك أن هذه وسيلة من أعداء الإسلام ليبقى المسلمون في صراعات لا طائل تحتها .
وإلا فمن يقرأ التاريخ يرى عياناً رؤية الشمس في رابعة النهار قوة التلاحم بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبين عامة الصحابة وبخاصة الخلفاء الراشدين ، و من أقوى صور التلاحم:-
1- التزاوج بينهم .
2- التسمي بأسمائهم.
فضلاً عن الرواية الحديثية بينهم و الهدايا و الصلات وغيرها .
وأشير هنا إلى اشارات في المصاهرة وإلا فالبحث يطول: فقد تزوج الإمام علي رضي الله عنه أسماء بنت عميس الخثعمية بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأما الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وولدت له زيداً ورقية، وأما الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد تزوج رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ولما ماتت والمسلمون ببدر تزوج ابنته الثانية أم كلثوم رضي الله عنها ولذلك لقب بذي النورين.
وعبدالله بن الزبير بن العوام تزوج أم الحسن نفيسه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب وبقيت معه حتى قتل رضي الله عنه وهكذا استمرت سلسلة المصاهرات بين آل البيت وعموم الصحابة رضي الله عنهم .
وأما التسميات فيكفي أن الإمام على رضي الله عنه سمى أحد أبنائه أبا بكر و الحسن بن علي سمى أحد أبنائه أبا بكر وكلاهما قتلا مع الحسين رضي الله عنه في كربلاء.
كما سمى علي رضي الله عنه أحد ابنائه عمر وهو أحد رواة الحديث الثقات وعمر هذا له حفيد اسمه عمر بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب كما سمى الحسن بن علي أحد أبنائه عمر بن الحسن وقتل مع عمه الحسين في كربلاء.
وهكذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سمى ابناً له عمر بن علي بن الحسين رضي الله عن الجميع ، وأما اسم عثمان فيكفي أن الإمام علي رضي الله عنه سمى أحد أبنائه عثمان.
و التاريخ مليء بالشواهد أكثر من أن تحصر وهذه التسميات من أكبر الشواهد على قوة التلاحم بين آل البيت وعامة الصحابة رضوان الله عن الجميع فهل نستسلم لاعداء السلام ليتهموا السلف والخلف ببغض آل البيت أو بفرضية الإنفصال بينهم وبين الصحابه رضوان الله عليهم ؟!
على المسلم الحق أن يتبصر بدينه وعقيدته الواضحة ويبرهن على حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وصحابته رضي الله عنهم وجمعنا بهم وكفانا شر الحاقدين والحاسدين.
والله الهادي إلى سواء السبيل...