لقد كان يسهر خارج البيت كثيراً... وكان يعود متاخرا..... سهر ونساء ولهو.... لا يخاف شيئاً... ولا يبالي بشيء..... ارى في عينيه ناراً مشتعلة وكأنه أسد يريد أن ينقض على فريسته... ولكن ما هي فريسته؟؟؟ انها الشهوات والنقود والنساء..... !!!!
وفي يوم من الايام عاد الى البيت مأخراًوكان يحمل من الحزن ما لا يعلمه الا الله تعالى...!! ولا ادري لماذا... تكلمت معه... ولكنه لم يجبني بأي شيء.... وقال لي اتركني وشأني... تركته ولم اتكلم معه... وذهبت للنوم... وفي صباح اليوم التالي استيقظت وكان من عادته ان يتاخر في الاستيقاظ ولكنه هذه المرة استيقظ قبلي...!!!! فوجدته يصلي وعلى عينيه مسحة حزن لا اعرف لها سبباً... هل هي الندم على امر ما؟ ام هي التوبة؟ ام هي صحوة الضمير؟ وبعد فترة من الزمن هدأت نفسه فأخبرني بأنه لن يترك الصلاة وعبادة الله مهما حصل.... لقد فرحت كثيرا واحسست بالطمأنينة لاني كنت احبه ولا اريده ان يخسر نفسه.... مضت ثماني سنوات تماماً... وهو مواظب على عمله وصلاته وحسن تعامله مع والديه... اللذان كان يحبهما كثيراً... وخصوصاً والدته التي كان يعاملها وكأنها ابنته من شدة حبه لها.... تغير تماما....!! لم يكن قبل هذا الوقت سيء الخلق مع اهله وبالخصوص والديه... ولكنه كان متحررا ويحب ان يمتع نفسه ويقضي الليالي الماجنة الصاخبة.... بل كان يحبهما منذ البداية غر ان سيئته هي اللعب واللهو والصخب وعدم التفكر بمنقلب الانسان.... كما قلت مضت ثمان سنوات على هذه الحال.... وفي يوم من الايام اخبرني قائلاً: لم اترك الصلاة يوماً ولم اترك الصيام منذ ان هداني الله تعالى... وقال ايضاً: لم اقترف فجورا ابداً.... احسست بأنه كان ينتظر شيئاً...!!! ولكن ماهو.... لماذا يقول لي ذلك؟؟ هل يتباهى امامي؟ لا لم يكن في موضع تباهي ولا مراءاة... بل كان تفكير صوت عالي... بعد هذا الموقف بثلاثةاو اربعة اشهر... خرج من البيت صباحاً.... ولم يعد ابداً.... لقد رحل الى الله تعالى خالقه وربه الكريم.... غادر الدنيا مغدوراً مقتولاً بسلاح المعتدين.... شهيداً مظلوماً... عانى الكثير في حياته..... وغادر الدنيا وهو غير متزوج ولم يأخذ من متاعها شيئاً.... غادر الدنيا وعمره 29 عاماً فقط... وبعد ان هدأ عني الحزن واستقرت حالتي نظرت فيما جرى وتذكرت الايام السابقة والتي كان يعيشها... وفكرت طويلا ومليا لو انه توفي على الحال التي كان عليها سابقاً فكيف سيكون مصيره يا ترى...... وتذكرت الكلمات الي قالها لي انه لم يرتكب فجورا ولم يترك الصلاة ولا الصيام منذ ان تاب الى الله تعالى...... والله لقد نزلت دموعي خشوعاً.... انه مات على هذه الحال... ويالها من رحمة من الله تعالى ان هداه قبل ان يتوفاه... فتبدل حزني شوقاً وتبدل خوفي أمناً.... واسأل الله له الرحمة والغفران انه واسع المغفرة وانه على كل شيء قدير....
واسأل الله تعالى ان تتفكروا بموتكم بل ان يفاجأكم الموت وانتم غير مستعدين له.....
والسلام ختام